ج ـ الكلام وحكمه : الرواية السابقة تدل على أن كلام المرأة مع النبي صلى الله عليه وسلم كان لأجل حاجة ؛ من سؤال أو علم كما بين ذلك شُرَّاح الحديث ، وقد جاء مثل هذا النهي أو الدلالة في قول ابن حجر : (ومفاوضة المرأة الأجنبية سراً لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة ولكن كما قالت السيدة عائشة وأيكم يملك إربه كما يملك رسول الله إربه) أي نفسه .
إذن على المرأة عندما تخاطب الرجال أن تخاطبهم بجدية لا تصل إلى التشبه بالرجال ولا بميوعة وتَكسُّر قد يفهم البعض منها أنها تقصد شيئاً ما !!؟ وعليها أن تتكلم بقدر الحاجة بدون زيادة أو نقصان تماماً . الإنصاف للمرداوي : 8/31
قال القاضي : يمنع من سماع صوتها ، وقال ابن عقيل في الفصول : يكره سماع صوتها بلا حاجة .
وهنا تدخل مسألة الفتنة بالصوت ، وقد قال الله تعالى : (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32] دلالة على أن في الصوت وحده فتنة إذ الآية في أولها تقول : ( وإذا سألتموهن متاعاًَ فاسألوهن من وراء حجاب )
وليس المقصود أن نقول أن صوت المرأة عورة لأنه مما يُحتاج إليه غالباً ويُسمع كثيراً لكن الأمر مرتبط بالفتنة ، لذلك طُولبت المرأة بألا تُرقِّق صوتها أو تلين الكلام في كل حال حتى لا تحدث الفتنة .
ويستتبع الأمر مسألة النظر :
قال المرداوي في الإنصاف : ( النظر إلى وجه الأجنبية لغير حاجة لا يجوز ، وإن كانت الشهوة منتفية ؛ لكن يُخَاف ثورانها ) . :8/29
أما الحاجة التي قصدها فمحصورة بالخِطبة ، والعلم ، وحاجة خاصة ترجع إلى عمل كل منهما ، والطب ، والشهادة أمام القضاء .
فلا يباح إدامة النظر إلى المرأة ولو في الحديث أثناء العلم ، لما يُخشى منه إثارة الفتنة .
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) رواه البخاري : 4808 ، 5/1959 .
وكذا مسألة الطيب للمرأة ، فإن ذلك مما يُنهى عنه إن كان مما يفوح على من حولها في الطريق ، أو في مكان العمل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم فهي كذا وكذا ـ أي زانية ـ )) رواه الترمذي : 2786 ،5/106 .
وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تطيب المرأة لخروجها ولو كان الخروج للمسجد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً )) رواه مسلم : 443 , 1/328 .
ـ أما الكلام في الهاتف : ـ وهو من المسائل المستجدة ـ فإن قاعدة سد الذرائع في الإسلام تدل على مثل هذا الحكم ، أي يجوز للمرأة أن تتكلم مع الرجل الأجنبي عن طريق الهاتف في حاجة أيضاً ، وكذا إجابة الهاتف لأن ذلك من الحاجة ، أما أن يتجاوز الأمر ذلك ، فإنه من المنهي عنه لما يوقع في الفتنة .
ولا أظن أن حديثاً بين امرأة ورجل عن طريق الهاتف لا حاجة تربط بينهما من زواج أو خطبة أو علم مما تحتاج إليه المرأة في قضاء حوائجها ، لا أظن أن مثل ذلك الحديث لا فتنة فيه ، أي مما يكون من مقدمات الزنى المنهي عنها شرعاً ، وكم من رجل وقع ضحية كلمة مائعة أو ضحكة فاجرة سمعها من أمثال هؤلاء النساء .
بل وكم من امرأة وقعت ضحية كذاب ماكر يتستر خلف الصداقة والأخوة وما شابه من ألفاظ.
وكذا الحديث عبر النت في المنتدى محصور بتلك الضوابط التي مر ذكرها .